مشروع قانون الانتخاب يخالف أحكام الدستور

April 17th, 2012

سبق لوكالة بترا أن نشرت موجزاً لرأي أبديته حول نظام الانتخاب الذي جاء بمشروع القانون، وفي أعقاب ذلك، توالت الاتصالات بي مستفسرة ومستوضحة عن ما أوجزت. لذلك وجدت أن الأمر يستدعي نشر مقال بهذا الموضوع. وفي هذا المجال أقول، عندما تصدر نصوص الدستور، يصبح كل واحد ملزماً باحترامها وتنفيذها، حتى لو كان غير قانع بملائمة مضامينها للواقع الاجتماعي، أو تعارضها مع الأسس التي يقوم عليها البناء الديمقراطي. وليس من حق أحد مخالفة نصوص الدستور بحجة جهله أو عدم معرفته بها أو عدم رضائه عنها. ولست أدري لماذا قبلت الحكومة على نفسها، إرسال مشروعٍ لقانون انتخاب يخالف النظام الانتخابي فيه أحكام الدستور، ويعبث بعدد أعضاء مجلس النواب، ويفوض الحكومة بالسلطة المعقودة لمجلس التشريع. وسوف أتناول في هذه المقالة ثلاثة أمور

الأمر الأول: عدم دستورية التمييز بين الأردنيين

-1

إن المادة (16) من مشروع قانون الانتخاب خصصت (15) مقعداً للأحزاب في مجلس النواب لتتنافس عليها على مستوى الوطن، فميزت أعضاء تلك الأحزاب عن باقي المواطنين، عن طريق الترشيح في قوائم انتخابية حزبية خماسية، ثم حددت المادة (52) طرائق نسبية حسابية لفوز أي من القوائم، أو نسبة من يفوز من تلك القوائم بناء على الحسابات النسبية. لكن المادة (67/1) من الدستور الأردني التي توجب أن يكون الانتخاب مباشراً، لا تسمح بهذا النوع من الانتخاب، بل ولا يوجد في الدستور ما يسمح بالتمييز بين مرشحين حزبيين ومرشحين غير حزبيين

-2

وبالنسبة للقوائم، فإذا كانت المادة (6/1) من الدستور تنص على أن “الأردنيين أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين“، فلماذا تميّز الحكومة في مشروعها بيني وبين الحزبي، فتعطي في المادة (16) لهذا الحزبي حقاً في تشكيل قائمة حزبية من خمسة للترشح فيها على مستوى الوطن، وتحرمني من هذا الحق! ألست أردنياً مثل هذا الحزبي؟ إن حقي الذي أستمده من المادة (6/1) من الدستور، في عدم التمييز بيني وبين الحزبي، هو حق دستوري أصيل لا تجوز مصادرته، وأي نص قانوني يصادر هذا الحق يصبح مخالفاً للدستور

-3

إن المادة (16/2) من الدستور تعطي للأردنيين الحق بإنشاء الأحزاب، لكنها لا تفرض على الأردني أن يشترك في أي حزب، فلماذا يقتصر مشروع الحكومة في المادة (8) على إعطاء الأردني صوتين في دائرته الانتخابية، ويفرض عليه أن يعطي صوته الثالث للقائمة الحزبية دون غيرها، وإلا فإنه يفقد حقه بهذا الصوت، أليس فرض هذا الخيار على الأردني يشكل انتقاصاً من حقه وسلباً لحريته في الانتخاب ويشكل مخالفة للدستور

-4

لقد كنا نعتقد أن مسيرات الربيع الأردني والمطالب الشعبية بالإصلاح، قد أنهت ثقافة الكوتا الخارجة على الدستور، وأعادت الحكومة الخفية إلى رشدها، ليصبح الأردنيون أمام القانون سواء، التزاماً بما أوجبه دستورهم. ولكن تبين أن تلك الحكومة لا تزال سادرة في غِيّها، بموجب عقل أمني وعرفي، لا يأبه بدستور أو شعب أو إصلاح، وتفرض على الجميع الطاعة والقبول بكوتا جديدة من (15) مقعد نيابي مخصصة للأحزاب وحدها، وعلى هذه الأحزاب الترشيح للانتخابات بموجب قوائم خماسية، وبعد ذلك لتذهب الشخصيات الأردنية التي كانت تطمح بالترشح على مستوى الوطن إلى الجحيم، لأنه بغير ذلك  لا يمكن وفقاً للعقل العرفي تحجيم الإخوان المسلمين

-5

إن حقوق الأردنيين وحرياتهم بموجب الدستور، ليست منحاً تتحسن بها عليهم حكومات ظاهرة أو خفية، ولكنها التزامات وواجبات ينبغي أن تنحني أمامها تلك الحكومات. وإذا كان حق الأردني وحريته في الترشيح أو الانتخاب، جزءأ جوهرياً من الحقوق والحريات التي ينص عليها الدستور، ويشكل وسيلة الأردنيين مصدر السلطة، لاختيار من يعبر عن إرادتهم في مجلس النواب، فكيف قبلت الحكومة على نفسها، أن تفرغ هذا الحق الدستوري من محتواه. ألم تبشرنا الحكومة بأنها استردت ولايتها العامة بموجب المادة (45) من الدستور، وطمأنتنا أنه بفضل الربيع الأردني، لن يعبث أحدٌ بعد هذا الاسترداد بحقوقنا وحرياتنا، ولن يُفصّلها على هواه، فما بالها تضرب عرض الحائط بالمادة (128/1) من الدستور التي تنص على أن

لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها

إن هذه المادة الدستورية الآمرة التي شُرّعت بالأمس، لم يجفّ حبرها بعد، فلماذا ينتهكها مشروع الحكومة؟ ألا تعلم الحكومة أن المساواة بيني وبين الحزبي في الترشيح والانتخاب، هي جزء لا يتجزأ من جوهر حقي كأردني وجزء من أساسياته، وبالتالي فإن الاختلال بتلك المساواة محرم على القانون بموجب الدستور

لقد كنت أفترض أن في الحكومة الظاهرة من يعلم، أن القضاء المصري حكم عام 1989 ببطلان تشكيل مجلس الشعب، لأن الانتخابات أجريت وفق قانون انتخاب ميّز بين انتخاب الأفراد وبين انتخاب القوائم، دون سند من الدستور، وأن هذا الذي يعلم، سوف ينبه الحكومة الخفية بأن البطلان عندنا لا بد أن يكون من باب أولى، لأن دستورنا يحرم التمييز المذكور بشكل صريح

-6

إنني لا أصدق أن هذا الخروج  على بديهيات أحكام الدستور لا تدركه حكومتنا الظاهرة، وفيها من يفترض فيه بالتأكيد أن يعرف بهذه البديهيات، فإذا كان الأمر مفروضاً على الحكومة الظاهرة من الحكومة الخفية، فإننا نكون أمام حنث باليمين الذي أقسمته الحكومة الظاهرة باحترام الدستور، وهذه جريمة لن تتقادم عند شعب انطلق من مارده وكسر حاجز الخوف، ولن يقبل منها أي عذر، إذ كان عليها أن لا تقبل الإنحناء، أو تستقيل ولا تحنث بيمين

 

الأمر الثاني: عبثية العدد الوهمي لمجلس النواب

-1

أما موضوع التعويض لبعض الألوية، وترك عدد أعضاء مجلس النواب ليظل وهمياً، تيمناً بالدوائر الوهمية، فذلك اختراع لحالة الأردن لم يستطعه الأوائل!! تقول الحكومة أنها أخذت هذه الشقفة (الجزئية) من ألمانيا، ونسيت بأن ذلك يناسب النظام الانتخابي المتكامل في ألمانيا، لكنها تشكل شذوذاً في حالة الأردن عند إدخالها إلى نظامنا الانتخابي

-2

إن النظم الانتخابية تشكل كلاً متكاملاً، وفاعلية أي جزئية في تلك النظم، تتحقق عن طريق إعمالها وتفاعلها مع باقي الجزئيات، وليت الحكومة اقتدت بالنظام الألماني بشكله المتكامل. فهل تعلم الحكومة أن الدستور الألماني والنظام الانتخابي الألماني تم تصميمها ابتداء، على أساس فتح الأبواب لتشكيل أحزاب ونموها ليصل أعضاؤها إلى البرلمان، والتنافس الحر بينها، دون سطوة حكومات خفية، لبلوغ أغلبيات تتناوب على الحكم، بعد أن عاشت عقوداً من الزمن في ظل حكم دكتاتوري نازي أمني وعرفي، لا يؤمن بحرية أو ديمقراطية، وهل تعلم الحكومة، أننا بأمس الحاجة إلى قانون انتخاب لا يسيطر على وضعه عقل عرفي وأمني يفرضه على الناس، حتى نبدأ بالدخول إلى المرحلة الديمقراطية التي دخلتها ألمانيا قبل أكثر من ستة عقود

-3

ثم إن بلجيكا التي اقتبسنا دستورها لنصبح مثلها ملكية دستورية، عدد نوابها (150) عضواً بموجب نص في الدستور، وكذلك هولندا التي حدد دستورها عدد أعضاء نوابها بـ (150)، فهل هذه الدول ملعونة، ولا تستحق أن نأخذ بنهجها في تحديد عدد أعضاء مجلس نوابنا في القانون على الأقل

-4

وفوق ما سبق، فإن العدد الوهمي لأعضاء مجلس النواب الناتج عن التعويض الوهمي للألوية التي لم ينجح فيها أحد للمجلس النيابي، قاد الحكومة إلى وضع نص شاذ في المادة (53) من مشروعها، يحيل إلى نظام الدوائر الإنتخابية رقم (26) لسنة 2010 بالنسبة للألوية، ويجعل بعض نصوص هذا النظام جزءاً من مشروع القانون، فهل يعقل هذا يا حكومة!! ثم أسأل: إذا كنتم ستصدرون قبل إجراء الانتخابات نظاماً تنفيذياً لقانون الانتخاب بعد صدور هذا القانون، فهل تستطيعون النص في هذا النظام الجديد على حلوله مكان نظام سنة (2010)، وتلغون هذا النظام الذي أصبح جزءاً من القانون. هل تملكون سلطة تشرّعون بموجبها نصاً في نظام يلغي نصاً في القانون

 

الأمر الثالث: عدم دستورية تقسيم الدوائر الانتخابية وتحديد عدد المقاعد بنظام تصدره الحكومة

-1

وفي موضوع تقسيم المملكة إلى دوائر انتخابية، نجد أن المادة (8/أ) من مشروع الحكومة تنص على ما يلي

تقسم المملكة بموجب نظام إلى عدد من الدوائر الانتخابية المحلية يخصـص لها مائة وثمانية مقاعد نيابية، ويحدد النظام عدد المقاعد النيابية المخصصة لكل دائرة وتوزيع المقاعد عليها

إن النظام الذي يتحدث عنه النص، هو بالضرورة نظام تنفيذي، تصدره الحكومة استناداً للمادة (31) من الدستور. ومن بديهيات علم القانون، أنه لا يجوز للنظام التنفيذي أن يضيف أحكاماً جديدة إلى القانون، كما لا تملك السلطة التشريعية أية صلاحية في الدستور تفوض بموجبها الحكومة إصدار أحكام جديدة في النظام تضيفها إلى القانون

-2

ونؤكد للحكومة، أن تحديد عدد الدوائر الانتخابية هو حكم جديد، كما أن تحديد عدد مقاعد الدائرة الانتخابية هو حكم جديد أيضاً، ولا يجوز تشريع أي من الحكمين بموجب نظام تصدره الحكومة. ولذلك، فإن المادة (8/أ) سابقة الذكر، تسلب من سلطة التشريع صلاحيتها في تشريع تلك الأحكام الجديدة، وتخالف الدستور حتماً. وحتى من باب الملاءمة السياسية، فإنه لا يجوز إعطاء الحكومة صلاحية تفصيل الدوائر الانتخابية، ضيقاً أو اتساعاً، وتحديد مقاعد كل دائرة، بموجب نظام تستطيع أن تعدّله أو تغيّره في ساعة واحدة، لتحابي من تريد وتحرم من تريد

 

وكمحصلة لما سبق جميعه، أرجو من كل واحد من السادة أعضاء مجلس النواب، ومن كل منتمٍ إلى هذا الوطن، أن يرفع صوته ويقول، إطووا الصفحات السوداء لهذا المشروع، وأن لا يغيب عن ذهن أحد ما يلي

أ‌.       أن ثقافة إجراء الانتخابات على أساس الصوت الواحد، بموجب قانون مؤقت تصدره الحكومات، ونظام انتخابي تصدره الحكومات أيضاً، لتحديد عدد الدوائر الانتخابية وعدد المقاعد لكل دائرة، نقول إن هذه الثقافة تنتمي لعصر القوانين المؤقتة واغتصاب الحكومات لسلطة التشريع وانتهاك أحكام الدستور، وقد انتهى هذا العصر إلى غير رجعة، وبالتالي فلا يجوز لهذه الثقافة التي فُرضت عن طريق الاستقواء على النواب وعلى الشعب، أن تمتد أكثر. إنها ثقافة عرفية تسلطية حان وقت تخليص الوطن منها، واسترداد سلطة نواب الشعب الدستورية.

ب‌.  إن إعطاء الحكومة صلاحية تقسيم الأردن بموجب نظام تصدره، إلى دوائر انتخابية، وتحديد عدد مقاعد كل دائرة، وترك عدد أعضاء مجلس النواب وهمياً، يفتح الباب لعبث تلك الحكومات بتشكيل مجلس النواب الذي يجسد إرادة الشعب، ويشكل اغتصاباً لصلاحية سلطة التشريع بهذا الشأن.

ج‌.    إن التفرقة والتمييز بين المواطن غير الحزبي والمواطن الحزبي، في ضوء ما أسلفنا، يشكل اعتداء على حريات الأردنيين، وحقهم في المساواة بينهم وفقاً للمادة (6/1) من الدستور، وهذا الاعتداء يعصف بجوهر حق الأردني وحريته، تحرّمه المادة (128/1) من الدستور التي جاءت بشكل آمر وقاطع، مذكراً بأن أعضاء الحكومة والنواب أقسموا اليمين على احترام هذا الدستور.

د.  وفضلاً عن مخالفة النظام الانتخابي الوارد في المشروع لدستورنا، على النحو الذي سبق ذكره، فإن هذا النظام لا يناسب الأردنيين، ولا يضعهم على طريق الديمقراطية الحقه، ولا يحقق لهم انتخاب مجلس نيابي يعكس إرادتهم على نحوٍ يفيد مما لديهم من كفاءات. ذلك أن هذا النظام، يفتت الأردن إلى دوائر انتخابية محلية، ويعطي المواطن فيها صوتين فقط لتكريس الآثار السلبية التي تركها نظام الصوت الواحد على مجتمعنا، ويخدم قوى الشد العكسي.

هـ. إن نظام الانتخاب الذي يناسبنا في الأردن، كما أعتقد، هو الذي يعيد إلى مجتمعنا لحمته التي مزقها قانون الصوت الواحد. ذلك أن قانون الصوت الواحد هذا، فكّك ترابط المجتمع، وخلّف عندنا الكثير من الجزر الإجتماعية، حتى في العشيرة الواحدة، وأعاق نمو الأحزاب، وألغى دورها في صهر المجتمع في كيان سياسي، يتم التنافس بين أبنائه على أساس برامج سياسية واقتصادية واجتماعية، وليس على أساس روابط جهويّة أو مناطقية أو عشائرية. إننا بحاجة إلى قانون يجعل المحافظة دائرة انتخابية واحدة، بحيث يكون للناخب الحق بأن يصوت لمرشحين بعدد المقاعد النيابية المخصصة لتلك المحافظة. أما على مستوى الوطن، فينبغي أن يكون للأردني الحق بأن يصوت لمرشحين بمقدار المقاعد المخصصة للوطن، دون أن نميز الأحزاب عن باقي المواطنين. إن نظاماً انتخابياً كهذا، هو الذي يصهر المجتمع في كيان سياسي مترابط، ويفتح الباب أمام الكفاءات التي يحتاجها الوطن للوصول إلى مجلس نيابي، وهو الذي يمكن الأحزاب من حشد الأصوات على مستوى المحافظة، أو الوطن، لمرشحين منها يحملون برامجها ورؤاها وطروحاتها، ويضعها على الطريق السليم للنمو والصعود. ويكفينا التخويف من الإخوان المسلمين على مدى العشرين سنة الماضية، واختلاق قصة التخويف من الوطن البديل، لتصبح تخويفاً مضافاً للتخويف من الإخوان، من أجل تبرير واقع سياسي ظالم فرضته حكومات خفية، أنتجت الفساد والاستبداد، والتغول على حقوق الناس وحرياتهم، بل وحتى على سلطة التشريع وسلطة القضاء، فضلاً عن تغولها على الحكومات الظاهرة التي سكتت وقبلت أن يمارس السلطة لها غيرها ويكون عليها التوقيع